هل يمكنك الإحتفاظ ببياناتك الرقمية على الحمض النووي ؟

إن تدوين البيانات فى مختلف نواحى الحياة هى واحدة من أهم مقومات التقدم الذي نشهده فى العصر الحالى، فتخزين البيانات يسمح بتسجيل كل المستجدات العلمية والإجتماعية والتاريخية والفنية … إلخ، مما يساعد الباحثين والمفكرين على إستكمال التطوير والبناء، ويسمح بانتقال تلك المستجدات من شخص إلى أخر مما يعطى الفرصة للعقول المختلفة بترك بصماتها لتطوير مختلف جوانب الحياة. ويتم تعريف البيانات على أنها سلسلة غير مترابطة من الحقائق الموضوعية، التي يمكن الحصول عليها عن طريق الملاحظة، أو عن طريق البحث والتسجيل، كما تُعرف عملية تسجيل البيانات بأنها عملية تَخزين أو تسجيل المعلومات ، وتتم عملية التخزين باستخدام أحد أجهزة تخزين البيانات زهو جهاز لتسجيل المعلومات، ويمكن للتسجيل أن يتم باستخدام أي شكل من أشكال الطاقة تقريباً، كالتذبذبات الصوتية في التسجيل الصوتي على الفونوغراف، أو الطاقة الكهرومغناطيسية لتعديل شريط مغناطيسي أو أقراص بصرية.

وقد شهدنا تطور عظيم فى أشكال تسجيل البيانات، بداية من استخدام النحت على الصخور إلى استخدام الكتابة اليدوية على الورق، ثم إختراع الطباعة واستخدامها للكتابة، ثم ظهور أجهزة الحاسب الالى وبالتالى ظهور الأقراص الصلبة قم الأقراص الضوئية …إلخ. ويعد أحدث أشكال تسجيل البيانات التي يسعى العلماء لاستخدامها هى تسجيل البيانات باستخدام الحمض النووي! فهل سيتمكنون من هذا؟. تعالو لنلقى الضوء سوياً على الحمض الننوى، ماهو وما أهميته وكيف يمكن إستخدامه كوسيلة لحفظ وتسجيل البيانات.

الحمض النووي

يمكن تعريف الأحماض النووية على أنها الجزيئات المسؤولة عن عملية تخزين وترجمة المعلومات الوراثية في جميع الكائنات الحية، ونواة الخلية هى المكان الذى يتواجد به الحمض النووي، حيث من الممكن وصف شكله على أنّه سلم لولبي مزدوج، ويتكون من الحمض النووي من شريطين يشكلان الكروموسومات الحاملة للصفات الخلقية والجسمية للكائنات الحيّة، وتحتوي تلك الكروموسومات على الجينات التي تحمل معلومات وراثية محددة. ويندرج تحت الأحماض النووية نوعين، هما: الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين DNA، والحمض النووي الرايبوزي RNA.

يرجع أصل تسميته ب DNA إلى كلمة : DeoxyriboNucleic Acid والمقصود بها هو الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين، وهو المسؤول عن حمل جميع المعلومات الوراثية الموجودة في الخلية من جيل إلى جيل آخر، وبالتالي فإنّه من الممكن إستخدامه لتحديد أجداد الشخص، عن طريق تحليل الـ DNA الخاص به، حيث يمكن إستخلاص عينة من الدم، أو الشعر، أو الأظافر، أو اللعاب وخلايا الفم.

تحتوى معامل براكسيلابس الإفتراضية على تجربة استخلاص الحمض النووي، والتي توضح خطوات استخلاصه من الخلايا. يمكنك تجربة نسختك المجانية من معاملنا الإفتراضية من هنا.

مكتشفو الحمض النووي:

فى خمسينات القرن الماضي احتدمت المنافسة الشرسة بين أعظم علماء التاريخ فى مجال البيولوجيا بهدف التوصل إلى شكل وتركيبة الحمض النووي، وكانت أحد تلك الفرق المشاركة في المنافسة هى الثلاثى فرانسيس كريك وجيمس واطسون وموريس ويلكنز، حيث بدأ العالمان الشهيران واطسون وكريك أبحاثهم ومن ثم إنضم إليهم ويكلز ، ومن الجدير بالذكر ان ويلكنز كان ضمن مشروع مانهاتن الذي أنتج أول قنبلة نووية، وقد شعر ويلكنز بالذنب فى أنه قام بصناعة الموت فقرر أن يكفر عن ذنبه بالمشاركة فى صناعة الحياة ولذلك قام بالمشاركة ضمن مشروع للتوصل لشكل وتركيبة الحمض النووي، وانطلق كلاً من فرانسيس كريك وجيمس واتسون فى أبحاثهم الخاصة بالحمض النووي عام 1953م ومن ثم قام ويلكنز بإطلاع واتسون على انعكاسات أشعة إكس التى قام بتصويرها للمادة الوراثية -حيث كان ويلكنز متخصص فى التصوير الجزيئي بواسطة أشعة إكس- ، وأسرع واتسون إلى كريك ليطلعه على تلك الصور ومن ثم تمكن كريك من التوصل إلى شكل الحمض النووي المعتمد حالياً وهو اللولب المزدوج ، وتوصل واتسون إلى التركيبة الكيميائية للحمض النووي ، وقد مُنح كلاً من فرنسيس كريك وجيمس واطسون وموريس ويلكنز جائزة نوبل فى الطب لعام 1963م. 

تركيب الحمض النووي ووظيفته    

يحتوي الحمض النووي على عضيّة صغيرة في الخلية تسمى “الميتوكوندريا”، وتعد الميتوكوندريا هي الجزء المسؤول عن توليد الطاقة الضرورية للخلية. وإذا حدث تشوه في المادة الوراثية فإنه يؤدى إلى إصابة الشخص أو أبنائه بأمراض قد تكون خطيرة –سواء كان هذا التشوه في النواة أو الميتكوندريا-. تحتوى خلايا الجسم (خلايا العضلات والعظام والجلد.. إلخ) على 46 كروموسوم، حيث تشمل الحيوانات المنوية لدى الرجال والبويضة لدى النساء نصف هذا العدد، أي 23 كروموسوم.

عندما تتم عملية تلقيح البويضة في الرحم، يؤدى ذلك إلى إندماج الكروموسومات من الحيوان المنوي مع نظيرتها في البويضة، وينتج عن ذلك 46 كروموسوم جديد، وبالتالى فإن الأبناء يحصلون على صفات وراثية من الوالدين نتيجة لتلك الكروموسومات المشتركة، كما يحافظ على ثبات كمية المادة الوراثية في الجسم، حيث تؤدي الزيادة أو النقصان فى أعداد الكروموسومات لدى الأبناء إلى مضاعفات خطيرة قد تسبب الموت.

يحمل الحمض النووي في البويضة المخصبة معلومات تطور الإنسان ووظائف خلاياه وأعضائه، وبعد تلقيحها تنقسم البويضة ملايين المرات بحيث تحتوي كل خلية وليدة نفس المادة الوراثية والمعلومات الجينية التي كانت في البويضة المخصبة. بعد ذلك تأخذ كل خلية موقعا محددا وتبدأ تفعيل الجزء المتعلق بها من المادة الوراثية، فتفعّل (تترجم) الخلايا التي ستصبح عضلات أجزاء معينة من الكروموسومات، مختلفة عن الخلايا التي ستتحول إلى بطانة المعدة مثلا.

والجدير بالذكر أن الحمض النووي لكل شخص على كوكب الأرض يتشابه مع الحمض النووي لغيره من الأشخاص بنسبة تقارب 99.9%، ونسبة 0.1% فحسب هي التي تختلف من شخص لآخر، وذلك هو ما يجعل الأشخاص مختلفين عن بعضهم البعض.

ويمكن تلخيص وظيفة الحمض النووي فى إصدار التعليمات للخلايا المطلوبة للقيام بوظائفها، وبذلك فإنه من الممكن تشبيه الحمض النووي على أنه برنامج حاسب آلى، أما الخلية فهي بمثابة الحاسب الآلى المراد تشغيله، فالبرنامج هو الذي يقوم بإصدار التعليمات للحاسب الآلى للقيام بوظائفه، وبكلمات بسيطة فإن الحمض النووي هو الذي يخزن المادة الوراثية، فينقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأجداد.

تخزين البيانات باستخدام الحمض النووي

يعتبر الحمض النووي أقدم جهاز تخزين في الطبيعة. فهو يحتوي على كل المعلومات الضرورية لبناء الإنسان والمحافظة عليه. ولكن الذي يجعل الحمض النووي عظيماً للغاية هو قدرته على تخزين العشرات من المعلومات في مساحة صغيرة للغاية. فقد حفظ الحمض النووي خلال ملايين السنين كميات هائلةً من المعلومات المهمة، ألا وهي البيانات الجينية التي تدعم كل صور الحياة على الأرض. وبسبب تلك القدرة العظيمة على حفظ البيانات يسعى الباحثون إلى توظيفه ليخزنوا عليه بيانات رقميةً غير محدودة بشكل آمن، ليحمل المعارف البشرية على مر القرون. 

يجري المعهد الفدرالي السويسري للتقنية في زيورخ مشروع عملاق يهدف إلى حفظ البيانات الرقمية لفترات طويلة عن طريق استخدام الحمض النووي كوسيلةً للتخزين.  ومؤخراً أصبح الترميز الثنائي باستخدام الحمض النووي ابتكار انجذب إليها كثيرون. ففي معهد «ج. كريغ فنتر قام العلماء بإضافة كود يضم أسماءهم وبعض الاقتباسات في جينوم صناعي. وفي هارفارد قام الباحثون بتخزين روايةً ومجموعة من الصور وبرنامج مكتوب بلغة جافا سكريبت فى تسلسل من الحمض النووي، كما يقوم عالم كيمياء حيوية بجامعة كاليفورنيا مع فرقة (أوك جو) لحفظ ألبومهم القادم على الحمض النووي ولكن لم يتم إيضاح كيف سوف يتم إعادة استماع الألبوم بعد تسجيله.

وهذا الفيديو من (تيد) لعالمة ال bioinformatics (دينا زيلينسكي) تتحدث فيه عن مدى التطور فى مجال تسجيل البيانات باستخدام الحمض النووي.

ومن الضرورى ذكر أن تكلفة تجربة معهد فنتر كلفت ما يقارب ال 40 مليون دولار، أما التجارب التى يجريها المعهد السويسري فمن المتوقع أن تتكلف ما يصل إلى 18 دولارا لكل كيلوبايت، هذا غير تكاليف تخزين البيانات واسترجاعها. ولذلك فإن تلك التقنية هى باهظة الثمن مقارنة باستخدام الأدوات الحالية لتسجيل البيانات.

عن مصطفى الحشاش

كاتب المحتوى العلمي لبراكسيلابس.

شاهد أيضاً

المختبرات الكيميائية: تجربة علمية أم عالم افتراضي؟

المختبرات الكيميائية: تجربة علمية أم عالم افتراضي؟

 المختبرات الكيميائية هي مختبرات توفر ظروفًا خاصة تمكن من إجراء البحوث والتجارب والقياسات العلمية والتكنولوجية …