دائماً ما كانت تراودنا فى سنين الطفولة بعض الخيالات حول امتلاك قدرات خارقة كالمرور عبر الجدران الصلبة، ورغم سذاجة تلك الأفكار إلا أنها تمثل البيئة الخصبة لبناء عقليات علمية، فالعديد من الاسرار فى كوننا لم تُكتشف بعد وما زلنا فى حاجة الى الكثير من العقول صاحبة الخيال اخصب المتشرب بقواعد المنهج العلمي التجريبي وأساسياته لكشف ألغاز هذا الكون، بداية من الذرات والجسيمات دون الذرية وانتهاءً بالتجمعات النجمية والمجرات. وقد خدمت البشرية العديد من تلك العقول وتركو لنا تراث علمي عظيم ومبهر، وكان أحد تلك العقول هو الفيزيائي السويدي أوسكار كلاين صاحب نظرية كلاين ومُقترح نموذج دوسون ومطور نظرية كلوزا- كلاين، وكان أحد تنبؤاته المثيرة للجدل فى الأوساط العلمية هو تنبأه بظاهرة الانتقال النفقي الكمومي والمسماة بظاهرة إنتقال كلاين النفقي نسبة إليه.
فى هذه المقالة سوف نبحر قليلاً فى عالم الفيزياء الكمية لفهم احد القدرات التى تمتلكها الجسيمات فى هذا العالم غير المرئى، فقد تم نشر دراسة جديدة تعثر على أدلة تجريبية على انتقال كلاين النفقي، وهو مصطلح يطلق على احد الظواهر الغريبة التى تمتلكها الالكترونات وتمكنها من المرور حتى عبر الحواجز الصلبة، وكعادة الفيزياء الكمية ما زالت تدهشنا بالعديد والعديد من الاكتشافات التى يقف عقلنا البشرى عاجزاً عن إستيعابها. سنبدأ أولاً بتعريف موجز للعالم الكمومي.
ابدا تجربتك الان فى معامل براكسيلابس ثلاثيه الابعاد!
ما هى الفيزياء الكمية؟
الفيزياء الكمية هي مجموعة من النظريات الفيزيائية تقدم تفسيراً لسلوك الجسيمات الذرية ودون الذرية، وقد بدأت الفيزياء الكمية فى الظهور في القرن العشرين، حيث تم وضع مسمى ازدواجية الموجة الذي يفسر سلوك الالكترون المزدوج بين الخاصية الموجية والخاصية الجسيمية، وبهذا قدمت لنا الفيزياء الكمية التفسير الفيزيائي علي مستوي الذري، وايضا يمكن الدمج بينها وبين الميكانيكا الكلاسيكية مع اختلاف تأثير المستوى عليها، فأصبح من الممكن أن تعتبر ميكانيكا الكم أكثر شمولية من الفيزياء الكلاسيكية لأنها تستطيع تفسير الظواهر على المستويين العادي والذري.
يتم استخدام مصطلح ميكانيكا الكم كبديل لمصطلح فيزياء الكم او النظرية الكمية، ويرجع سبب هذه التسمية الى اهمية الكم في بنائها، وهناك العديد من الكتب التى تستخدم مصطلح ميكانيكا الكم للإشارة الى ميكانيكا الكم غير النسبية.
ويتم تعريف الكم على أنه مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمية من الطاقة التي تقسم بعض الصفات الطبيعية اليها، حيث تنقل على هيئة كم، وتستخدم للإشارة إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل غير مستمر.
تحتوى معامل براكسيلابس على العديد من تجارب الفيزياء يمكنك تجربة نسختك المجانية من هنا.
ابدا تجاربك مع براكسيلابس الان مجانا!
من هو أوسكار كلاين؟
ولد أوسكار كلاين عام 1894 في السويد، والتحق بمعهد نوبل فى سن صغيرة، عام 1917 عمل لمدة قصيرة مع الفيزيائي الشهير نيلز بور فى جامعة كوبنهاجن الأمريكية، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة ستوكهولم عام 1921. قم انتقل بعدها للعمل كأستاذ في جامعة ميتشجان عام 1923، وبعدها عاد من جديد مرة أخرى الى جامعة كوبنهاجن للعمل مع الفيزيائي بول اهرنفست لينتقل بعدها للعمل بجامعة لوند بالسويد، وقد أنهى مسيرته المهنية بجامعة ستوكهولم بعدما انتقل إليها عام 1930.
يعد أهم إنجازات أوسكار كلاين عام 1926 هو وضعه لتفسير كمي لنظرية كلوزا الكلاسيكية خماسية الأبعاد، وهى نظرية حقل موحد حاولت الجمع ما بين الجاذبية والكهرومغناطيسية وبنيت على فكرة بعد خامس متجاوزة الأبعاد الأربعة للزمان والمكان. تعتبر هذه النظرية من السلائف الهامة لنظرية الأوتار.
هل يمتلك الإلكترون القدرة على اختراق الحواجز الصلبة؟
عثرت دراسة جديدة على أدلة تجريبية لإثبات انتقال كلاين النفقي، وهي ظاهرة غريبة تمكن الجسيمات من المرور عبر الحواجز الصلبة.
تمكن قوانين ميكانيكا الكم المدهشة الجسيمات أحيانًا من المرور عبر الحواجز وإختراقها مهما كانت صلابتها. وتشرح حالة انتقال كلاين النفقي هذه الظاهرة، فعلى الرغم من أن صعوبة الانتقال النفقي خلال تلك الحواجز يزداد كلما كان الحاجز أعلى، ذلك ما يقلل من عدد الجسيمات القادرة على اجتيازه.إلا أن انتقال كلاين النفقي يقلب قواعد اللعبة رأساً على عقب. حيث أنه يجعل الحواجز عديمة التأثير تماماً، وكأن هناك بوابات تُمكن الجسيمات من المرور بسهولة عبر تلك الحواجز مهما كان ارتفاعها.
فيديو محاكي لانتقال كلاين النفقى
وقد تنبأ الفيزيائي السويدي أوسكار كلاين بهذه الظاهرة للمرة الاولى منذ ما يقارب القرن. وحتى مطلع القرن الحادى والعشرون لم يستطع العلماء رصد ما يثبت الظاهرة غير علامات محدودة للغاية لها. ولكن في دراسة تم نشرها في دورية ناتشر العلمية في يونيو الماضي، قدم فريق من تخصصات مختلفة من الباحثين أدلة قوية وواضحة على ما يسمى بانتقال كلاين النفقي.
فى الحقيقة لم يتعمد الباحثون القائمون على التجربة رصد هذه الظاهرة وهي تحدث، بل كانو يعملون على مادة تسمى الهيجسابوريد السماويروم لتصنيفها كعازل طوبولجى، وهذا ما يجعل النتائج أكثر دهشة. وطبقاً لـ “جون بيير”، وهو أحد الباحثين المشاركين في الدراسة :”فقد انبثق هذا المشروع من أبحاث الفريق حول العوازل الطوبولوجية. والعوازل الطوبولوجية هى مواد تمتلك صفات غريبة فأجزاؤها الداخلية معزولة لكن أسطحها تعمل كموصلات.
قم بالتسجيل لبدء الإصدار التجريبي المجاني الخاص بك!
وعلى مدار عدة سنوات ماضية، عكف “بيير” هو وزملاؤه على اثبات ان مادة الهيجسابوريد السماريوم، هى مادة لها خصائص العوازل الطوبولوجية.
التجربة:
قام الباحثون بوضع طبقة رقيقة من مادة هيجسابوريد السماريوم أعلى مركب آخر يتحول في درجات الحرارة المنخفضة إلى موصل فائق، والموصلات الفائقة هى مواد يمكنها توصيل الكهرباء بدون مقاومة. وعندما قامو بخفض درجة حرارة كل شيء إلى درجة حرارة أعلى قليلاً من الصفر المطلق، وبذلك أصبحت المادة الثانية أيضاً موصلًا فائقًا، ونتيجة للتقارب بين المادتين، أصبح السطح المعدني لهيجسابوريد السماريوم موصلًا فائقًا بالمثل. وبعدها قام العلماء بوضع رأس معدنى رقيق على سطح هيجسابوريد السماريوم بحيث يتلامس معه، ودرسوا الكيفية التي انتقلت بها الإلكترونات إلى المادة الثانية.
عند كل حدٍّ واقع بين أي معدن وموصل فائق، حين يقفز أحد الإلكترونات من المعدن إلى الموصل الفائق، يتعين عليه أن يجلب معه “صديقًا”. ومع ذلك، نظرًا إلى أن الشحنات يجب أن تكون متعادلةً في المنظومة، يجب أن يقفز “ثقب” موجب الشحنة -هو بالأساس غياب للإلكترون الذي كان من المفترض أن يكون موجودًا- من الموصل الفائق إلى المعدن.
يرصد الباحثون حركة الإلكترون و”الثقب” عن طريق قياس مواصَلة المنظومة. فإذا نجح كل إلكترون يحاول القفز إلى الموصل الفائق في مسعاه، فمن المفترض أن تتضاعف المواصَلة. لكن هذا عادة لا يحدث؛ لأن في معظم الأحيان، لا تمتلك بعض الإلكترونات طاقةً كافيةً للقفز. فالإلكترونات ذات الطاقة الأقل تنعكس مرتدةً عن الحد الفاصل بين المعدن والموصل الفائق، وهو ما يجعل مواصَلة المنظومة تزيد على 100 بالمئة لكنها تقل عن الضعف.
ولكن ما أصاب الباحثين بالذهول هو حدوث مواصَلة مضاعَفة تامة في تجربة هيجسابوريد السماريوم التي أجروها. وقد تكررت النتائج المدهشة مع تكرار التجربة، والتى أشارت إلى أن انتقال كلاين النفقي الذي مكَّن كل الإلكترونات من الاندفاع عبر السطح المادي بين المادتين.
وصرح نادجورني لمجلة العلوم الأمريكية قائلاً: “تربط هذه الدراسة بين تلك النتائج غير المتوقعة التي تمتاز بالدقة والوضوح من جهة، وغياب تشتت الإلكترونات الطبيعي من جهة أخرى، وهو أحد الأمثلة الجوهرية التي تُبين انتقال كلاين النفقي”.
وبعد هذا الاكتشاف العجيب يسعى علماء الفيزياء الآن إلى الوصول إلى طرق متنوعة للاستفادة من النتائج التي تمكنو من الوصول إليها في تصنيع مواد من أجل الأجهزة الكمومية المستقبلية، وإمكانية تسخير قوى الانتقال النفقي للإلكترونات من الممكن أن يساعد في تصميم ترانزستورات مثالية، أو ربما يُسهم في حل مشكلات متعلقة بموصلات الحاسبات الكمومية.