إذا كنت من محبي إثارة الجدل، فيمكنك أن تجرب ذكر مصطلح الهندسة الوراثية في الإنسان أثناء تواجدك في وسط مجموعة من الناس، أو خلال تجمع ما، ثم لا تنسى أنه عليك تجنُب الكم اللامتناهي من الأسئلة والمناقشات والتخوفات التي ستثار — بكل تأكيد — حول هذا العنوان.
فمنذ مهدها ونعومة أظافرها، ظلت فكرة الهندسة الوراثية في الإنسان، والتعديل الجيني، واختيار صفات الأجنة، دائمًا موضع خلاف وكذلك موضع تساؤل؛ سواء كان ذلك التساؤل مجتمعيًا، أو علميًا، أو أخلاقيًا. تتراوح الأسئلة والاستجوابات الرئيسية المحيطة بهذا الموضوع الساخن بين كونها أسئلة متعلقة بالسلامة والوقاية، أو الحريات الفردية، أو تساؤلات عن مدى قدرة هذا النوع من التقدم العلمي والهندسي على توسعة الفوارق الاجتماعية والأرستقراطية بين البشر.
سنتحدث في هذا المقال عن تعريف الهندسة الوراثية، وما هي الهندسة الوراثية في الإنسان، وكيف يمكنها أن تؤثر على حياتنا. كذلك سنتناول إيجابيات وسلبيات الهندسة الوراثية، وما هو مستقبل الهندسة الوراثية في الإنسان. كما سنناقش الاعتبارات الأخلاقية، وتلك المتعلقة بالسلامة والتي تعد ذات أهمية كبيرة للجميع، سواء كانوا علماء أو باحثين أو مرضى يخضعون للتعديل الجيني، أو أولياء أمور على وشك اختيار صفات معينة لأجنتهم… هيا بنا نبدأ!
ابدا تجربتك الان فى معامل براكسيلابس ثلاثيه الابعاد!
الهندسة الوراثية
قبل معرفة الغرض من استخدام الهندسة الوراثية، أو معرفة تطبيقاتها، أو فوائدها وأضرارها، سنذكر الأشياء الأهم أولاً: ما هي الهندسة الوراثية؟ وما هو تعريفها؟
في أعماق خلايا أي كائن حي – سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو بكتيريا أو أيًا كان – توجد أجزاء تعرف علميًا باسم الجينات.
يرث الأبناء نصف هذه الجينات من أحد الوالدين، وبطبيعة الحال، فإن النصف الباقي ينتقل من الوالد الآخر، وتتسبب هذه العملية في نقل سمات معينة من الوالدين إلى نسلهما. تتحكم الجينات في الخلايا، وتقوم بتحفيز التفاعلات الكيميائية المسؤولة عن عمل هذه الخلايا ونموها.
تعرف عملية الهندسة الوراثية “أو التعديل الجيني” على أنها:
“عملية تغيير أو تعديل الحمض النووي من خلال التلاعب المباشر باستخدام التقنيات المختبرية، وبالتالي تغيير النمط الظاهري للكائن الحي (الجينوم) بطريقة معينة.”
بمعنى آخر، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير زوج أساسي واحد فقط من الحمض النووي (A-T أو C-G)، أو إزالة قطعة كاملة من الحمض النووي، أو إضافة نسخة إضافية من الجين نفسه إلى الحمض النووي. كذلك يمكن لتقنيات الهندسة الوراثية أن تستخرج الحمض النووي من جينوم آخر، وتقوم بلصقه وإلحاقه بالحمض النووي لجينوم آخر.
تاريخ الهندسة الوراثية
لا يعود الجدول الزمني الذي يتتبع تاريخ الهندسة الوراثية إلى العصور القديمة، بل يعود إلى عصرنا الحديث، وتحديدًا إلى السبعينيات من القرن العشرين. تم تخليق أول كائن معدل وراثيًا بنجاح في عام 1973، هل يمكنك تخمين هذا الكائن الأولي للغاية والشهير جدًا؟ نعم، إنها البكتيريا!
بعد ذلك العام، بدأت تجارب وتعديلات الحمض النووي في التتابع والظهور بشكل أكبر، وبدأ تطبيق هذه التقنيات المعملية على الفئران في عام 1974، ثم تبع ذلك تطبيقها على النباتات أيضًا.
أما في عام 1994، أُنتِج أول غذاء معدل وراثيًا بنجاح، وأصبح متاحًا في الأسواق. جاء بعد ذلك دور البشر، المحرك الرئيسي وراء كل هذه التجارب والاختراعات والتقنيات.
تستخدم الهندسة الوراثية في العديد من الأغراض والتطبيقات، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل: الزراعة، وتحسين خصائص الحيوانات، ومكافحة الأمراض، وكذلك فإنها تستخدم بشكل أساسي في البحث العلمي.
أنواع الهندسة الوراثية
تشتمل الهندسة الوراثية على ثلاثة أنواع معملية يتم استخدامها واستحداث التقنيات المستخدمة فيها بشكل دائم ومستمر، وهذه الأنواع هي:
- الهندسة الوراثية التحليلية،
- الهندسة الوراثية التطبيقية،
- والهندسة الوراثية الكيميائية.
الهندسة الوراثية في الإنسان
تتزايد نسبة استخدام الهندسة الوراثية في الإنسان وأجنته، كما أصبحت تنتشر بينهم على استحياء، وهو ما يحدث على الأقل بين الطبقات الأكثر امتيازًا في المجتمع بسبب إرتفاع أسعار استخدام هذه التقنيات حاليًا. تساعد الهندسة الوراثية الإنسان على “اختراق نظرية داروين” وتحديدًا أهم ركائز تطورها.
تعد الركيزتان الأساسيتان للتطور في نظرية داروين، هما:
- الانتقاء الطبيعي، و
- الطفرات العشوائية.
إن ما يحدث أثناء استخدام تقنيات الهندسة البشرية هو إلغاء كلا الركيزتين، واستبدالهما بمفاهيم أخرى يجب التعامل معها بحذر.
تتلقى هذه التكنولوجيا أموالًا طائلة تحت مظلة مكافحة بعض الأمراض والحد منها، ويتم دعمها، وتستمر في تطورها معطية البشر الفرصة لقطع أو إضافة بعض الجينات، بالتزامن مع عدم معرفتنا وإلمامنا الكامل بما يمكن أن يجلبه هذا “الاختيار الانتقائي” لعرقنا.
ابدا تجربتك المعمليه عبر الانترنت الان!
أمثلة وتطبيقات على الهندسة الوراثية
على الرغم من أن أمثلة الهندسة الوراثية على البشر والتعديلات الناتجة عنها ليست تقنيات منتظمة ولا مستخدمة على نطاق واسع حتى اليوم. لا يزال لدينا بعض التعبيرات الاصطلاحية التي نشير إليها ، وإليك بعضًا منها:
- تُستخدم البكتيريا المعدلة وراثيًا بشكل حصري في العديد من المستحضرات الصيدلانية التي يستخدمها البشر، ويرجع ذلك إلى بساطة تكوينها الجيني.
كان الأنسولين أول منتج صيدلاني معدل وراثيًا تمت الموافقة عليه كيميائيًا، والذي تم إنتاجه بواسطة شركة Eli Lilly Corporation في عام 1982. بكتيريا Escherichia coli هي أكثر الأنواع المستخدمة شيوعًا في مثل هذه العملية.
قد تختلف الأدوية من الأنسولين البشري المخصص لعلاج مرض السكري، إلى البروتينات المستخدمة في تخثر الدم، إلى هرمونات النمو البشري التي تعالج التقزم. - بنجاح، تم تقليل تكوين التجاويف في أسنان الإنسان بمساعدة البكتيريا المعدلة وراثيًا. حدث ذلك بسبب تمكُن علماء ومهندسي الجينات من التحكم في هذه البكتيريا، وعدم السماح لها بإنتاج حمض اللاكتيك الذي يسبب تآكل الأسنان.
- أغرب شيء في اتجاه هذه التقنيات هو لقاح الموز! حيث يتم تعديل الموز وراثيًا بطريقة توفر لقاحًا ضد العديد من الأمراض، مثل الكوليرا والتهاب الكبد.
تشبه هذه العملية عملية التلقيح باستخدام الإبر، مع الأخذ في الاعتبار أنه في هذه الحالة يحتاج الإنسان إلى تناول الموز فقط، من أجل تطوير أجسام مضادة لمكافحة الأمراض، وبالتالي إكتساب مناعة ضدها. - في خضم جائحة كورونا، أُنتجت أحدث اللقاحات المعدلة وراثيًا بواسطة شركتي فايزر (Pfizer) و Moderna. حيث تستخدم هذه اللقاحات التسلسل الجيني mRNA لمساعدة جسم الإنسان في التعرف على فيروس كورونا، والاستعداد لمقاومته ومجابهته.
فوائد الهندسة الوراثية
تم تصميم جميع تقنيات الهندسة الوراثية وأساليبها المتقدمة لدينا لمساعدة البشر على التغلب على أي أمراض ناتجة عن الوراثة، أو أي سمات غير مرغوب فيها وراثيًا. في أقوال أخرى، نشأت فكرة استخلاق حيوانات وأطعمة أو نباتات معدلة وراثيًا لكي تسهل حياة الإنسان وتجلب له أعم الفوائد والمنافع من جميع الكائنات الحية حوله.
إن فوائد وإيجابيات الهندسة الوراثية لا تعد ولا تحصى، ولكن إليك بعض الأمثلة:
- منع انتقال الأمراض الفتاكة، كالسرطان.
في عام 2009، ولدت أول طفلة “مصممة” بنجاح. حيث لاحظ أبوها موت معظم النساء في عائلته بسبب أنواع مختلفة من السرطان، والتي تنشأ من طفرات غير مرغوبة تحدث في جين BRCA-1. نتيجة لذلك، أجرى الوالدان إخصابًا معمليًأ ثم فحصوا البويضات المخصبة، وتم اختيار إحدى البويضات التي لا تحتوي على طفرة BRCA-1. بهذا الفعل، منع كلا الوالدان هذه الطفرة من الحدوث في أي من الأجيال القادمة لهذه العائلة. - الحد من العدوى بالأمراض التي تنقلها الحشرات، مثل: حمى الضنك والملاريا وفيروس زيكا، وذلك من خلال تعقيم هذه الحشرات، كالبعوض.
- الحد من الجوع والمجاعات في جميع أنحاء العالم، من خلال تحسين جودة المحاصيل الزراعية وزيادة غزارة إنتاجيتها، حيث يساعد هذا على تنمية البلدان.
- التخلص من السمات الشخصية غير المرغوبة، حيث يفضل الإنسان الذكاء والجمال ونمو العضلات وكذلك العديد من المميزات الأخرى. تُمكننا تقنيات الهندسة الوراثية الآن من القدرة على اختيار وتصميم السمات المفضلة جينيًا لدينا.
يسمح هذا لنا ويمهد الطريق نحو بعض السمات المختارة بدقة، و يؤدي هذا بطبيعة الحال إلى إلغاء مفهوم الانتقاء الطبيعي. - استنساخ الحيوانات للحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، كما حدث مع النمس ذو الأرجل السوداء، وهو النمس الوحيد الأصلي في أمريكا الشمالية. تعرض وجود هذا النوع للتهديد حين انخفضت أعداد كلاب البراري، والتي تعد مصدر الغذاء الرئيسي له بشكل حاد وخطير مما هدد وجوده.
في عام 2020، تمكن العلماء من إكمال مشروع الاستنساخ الذي بدأ في عام 2013، وأسفر عن ولادة إليزابيث آن، وهي أنثى نمس مستنسخة. تم استنساخ إليزابيث لإضفاء بعض التنوع بين أعضاء جماعة النمس ذا الأرجل السوداء، الذين يبلغ عددهم 650 على قيد الحياة اليوم.
سلبيات الهندسة الوراثية
تخيل لو أن كل إنسان بدأ في تفضيل سمة معينة، تمكن من الحصول عليها في غمضة عين! سننهي – نحن البشر – نافذة تنوعنا الجيني الواسعة بأيدينا!
قد يكون هناك العديد من العيوب في استخدام تقنيات الهندسة الوراثية، بعض هذه العيوب حاسم، في حين أن البعض الآخر هو عبارة عن بعض الأسئلة الأخلاقية المطروحة والتي لا تزال بلا إجابة. نذكر بعض من هذه السلبيات هنا:
- الخوف من انتشار الأنواع التي ستغزو العالم
تشتهر الحيوانات والنباتات المعدلة وراثيًا بقدرتها على التكيف مع البيئات مختلفة بشكل أفضل من البيئات العادية. هناك مخاوف حول احتمالية نمو هذه الأنواع إلى الحد الذي لا يمكن السيطرة عليه، وتحويل الأنواع المعدلة وراثيًا إلى أنواع غازية تضر بالبيئة والكائنات الحية الأخرى من حولها. - النمو السكاني الذي لا يمكن السيطرة عليه
نظرًا لأن المرض هو عامل رئيسي وأحد أكثر الأدوات فاعلية للتحكم في عدد السكان. فإن إطالة عمر البشر من خلال استخدام الهندسة الوراثية، سيؤدي لا محالة إلى زيادة أعدادهم.
نتيجة لذلك، قد تنشأ مشكلات خطيرة تهدد أمن واستقرار الجنس البشري ككل، مثل مشاكل توافر الوظائف، والتفاوت الاقتصادي، وضرورة توفير مستويات من الرعاية الطبية أعلى من تلك الموجودة حاليًا، بالإضافة إلى نقص المنتجات الزراعية لتغطية وتلبية احتياجات الجميع. - ارتفاع خطر زيادة الحساسية
إن العملية هنا معقدة بعض الشيء، في ظل وجود حقيقة أن المواد المسببة للحساسية تنتقل بسهولة من محصول إلى آخر في الأطعمة المعدلة وراثيًا. ومن ثم، فإن النساء الحوامل اللائي يتناولن الأطعمة المعدلة وراثيًا قد يعرضن نسلهن للخطر من خلال تغيير بنيتهم وخصائصهم الجينية.
يعد التعديل الجيني عملية لا رجعة فيها؛ فبمجرد حدوثه، لا نتمكن من عكسه. إن التغييرات التطورية الفورية التي تقوم بها تقنيات الهندسة الوراثية لدينا قد تظهر تأثيرات غير مرغوب فيها، ويمكن أن يصل بعض هذه التأثيرات إلى إحداث العديد من السيناريوهات الحرجة، أي أن تفاعلات الحساسية قد تؤدي إلى تطوير نوع من التفاعلات التلقائية التي يمكن أن تعرض كوكبنا ووجودنا برمته للخطر.
يمكننا الوقوف على رأس العديد من السلبيات والعيوب الأخرى التي تخص الهندسة الوراثية، لكننا استوضحنا الغرض من ذكرها في هذا السياق. تعد التكنولوجيا والتقنيات العلمية الجديدة سلاحًا ذا حدين، حيث يكمن جانبها الإيجابي في فوائدها العديدة وتدخلاتها المباشرة التي يمكنها تحسين حياة جنسنا البشري وتسهيلها، أما إذا استخدمناها بشكل مفرط وغير عقلاني، فإن بإمكانها أن تقودنا نحو الهاوية والموت المحقق بشكل أسرع وأخطر من ذلك الذي يمكن لجنسنا مجابهته، أو السيطرة عليه.
بالإضافة إلى جميع المخاطر المذكورة سابقًا، يتم الوقوف للهندسة الوراثية -وتحديدًا الهندسة الوراثية في الإنسان- وتقنياتها بالمرصاد نظرًا للقضايا الأخلاقية الخطرة التي تُطرح بسببها في كل مرة. وبشكل عام، فإن هذا الموضوع وأبعاده يعتبر ذا أهمية كبيرة في مناقشات المجتمع المدني ودوائر حقوق الإنسان.
تجارب الحمض النووي والهندسة الوراثية في الإنسان مكلفة، كما أنها تتطلب توجيهًا وإشرافًا علميًا محكمًا…
انضم إلى معامل براكسيلابس الآن، واكتشف هذا العالم الشيق بالمجان!